أليخاندرا بيثارنيك | ثلاث قصائد

أليخاندرا بيثارنيك

خاصّ فُسْحَة - ثقافية فلسطينيّة
أليخاندرا بيثارنيك Alejandra Pizarnik، إحدى أهمّ شعراء الثقافة الأرجنتينيّة. وُلِدَت في بوينوس آيريس عام 1936 لأبوين من أصول روسيّة وسلوفاكيّة. درست الفلسفة ثمّ الصحافة وفي ما بعد الأدب، كما درست الرسم، إلى أن قرّرت التفرّغ للكتابة. عاشت فى باريس بين عامي 1960 و1964. كوّنت صداقات أدبيّة وفكريّة متنوّعة مع كتّاب مثل أوكتابيو باث وخوليو كورتاثار. أوّل دواوينها "لأرضٍ أبعد"، الّذي صدر وهي في عمر 19 عامًا، تلاه العديد من الدواوين الشعريّة. توفّيت عام 1972 إثر تناول جرعة كبيرة من أقراص سيكونال في المصحّة النفسيّة.

 

شجرة ديانا

1
لا شيء غير العطش

الصمت
ولا أحد،


تَرَفَّق بي يا حبيبي

تَرَفَّق بالمسافرة الصامتة في الصحراء،

المسافرة مع كأسها الفارغة،

مع ظلال ظلالها!


2
في الفردوس 

تتجرّد
من ذاكرتها،

تتنصّل من المصير الهمجيّ

لرؤاها،
إنّها خائفة ألّا تعرف

كيف تسمّي

ما هو غير موجود!



اليقظة

إلهي،

تحوّلَ القفصُ إلى طائر

وحلّق بعيدًا.

وقلبي مجنون

لأنّه يعوي على الموت

ويضحك من خلف الريح

على هلاوسي.

ماذا أفعل بالخوف؟

ماذا أفعل بالخوف؟

الضوء لم يعد يرقص خلالي،

والمواسم تحرق الحمام في أفكاري،

جُرِّدَتْ يداي حتّى العظام

لتمضيا إلى حيث الموت

يعلّم الموتى كيف يعيشون!


إلهي،

يعاقب الهواءُ وجودين

خلف الوحوش

ثمّة وحوشٌ تشرب دمي.

إنّها الكارثة!

إنّها ساعة الفراغ

- لا فراغ -

إنّها لحظة وضع قفلٍ

على الشفاه

لسماع صراخ الملعونين،

للتفكير في كلّ اسمٍ

من الأسماء المعلّقة داخلي!

 

إلهي،

أنا في العشرين من عمري،

عيناي أيضًا في العشرين

ومع ذلك لا تقولان شيئًا.

 

إلهي،

استهلكتُ حياتي كلّها في لحظة،

الآن يبدو كلّ شيءٍ زائلًا،

لا مزيد من أجلي،

إذن،

كيف يمكنني ألّا أنتحر أمام مرآة؟

أختفي،

ثمّ أعاود الظهورَ في البحر،

حيث ينتظرني

قاربٌ كبيرٌ مع أضواء مشعلة.

كيف لا أمزّق عروقي

وأبني بها سلّمًا

للهروب نحو الجانب الآخر من الليل؟

لقد وَلَدَتْ البدايةُ نهايتي،

كلّ شيءٍ سيبقى على حاله؛

الابتسامات البالية

الرغبات الأنانيّة،

الأسئلة من حجرٍ إلى حجر،

الإيماءات الّتي تحاكي الحبّ.

كلّ شيءٍ سيبقى على حاله.

لكنّ ذراعاي تصرّان على احتضان العالم

لأنّه لم يدرك أنّ الأوان قد فات بالفعل.

 

إلهي أُخْرِجُ التوابيتَ من دمي،

أتذكّر طفولتي،

عندما كنت امرأةً عجوزًا

ماتت الزهور في يديّ

وحطّمت رقصة الفرح الوحشيّة قلوبهم.

أتذكّر الصباحات المشمسة السوداء

عندما كنت صغيرة،

ذلك يعني الأمس

ذلك يعني منذ قرونٍ بعيدة.

إلهي،

تحوّل القفص إلى طائرٍ

وقد التهمَ آمالي جميعًا.

إلهي،

تحوّل القفص إلى طائرٍ

فماذا سأفعل الآن بالخوف؟
 


في انتظار الظلام

تلك اللحظة الّتي لا يمكن نسيانها،

لمّا طُرِد فراغك العميق من الظلال،

لمّا رُفِضَ فراغك من الساعات،

تلك اللحظة التعيسة الّتي ظننتِها حنانًا.

عاريةٌ، عاريةٌ كلّها أجنحة الدم

بلا عيونٍ تتذكّر عذابات الماضي،

بلا شفاهٍ تجمع خلاصة العنف

التائه في نشيد أجراس الجليد!

أيّتها الفتاة عمياء الروح احمي نفسك،

ألقي خصلات شعرك الجليديّة للنار،

ضمّي إليك تمثال الرهبة الصغير،

اطوي العالم المتشنّج تحت قدميك،

تحت قدميك حيث تموت السنونوات رعبًا

من المستقبل،

قولي لها إنّ تنهّد البحر

يبلّل الكلمات الفريدة،

اجعلي الحياة جديرةً بالعيش!

لكن في هذه اللحظة

يبدأ العدم،

تكوّري في كهف القدر

بلا أيدٍ لتقولَ أيّ شيء،

بلا أيدٍ لتمنح الفراشات

للأطفال الموتى!

 

 

عمر زيادة

 

شاعر ومترجم من مواليد نابلس. حاصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في اللغويّات التطبيقيّة والترجمة من جامعة النجاح الوطنيّة. يعمل مترجمًا في اتّحاد الكتّاب الفلسطينيّ. له مجموعة شعريّة بعنوان 'كلاب عمياء في نزهة' (2017)، صادرة عن الدار الأهليّة للنشر والتوزيع، بتوصية من لجنة تحكيم 'جائزة الكاتب الشابّ' لعام 2015، التابعة لمؤسّسة عبد المحسن القطّان.